الأربعاء، ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠

ثمن الخلاص .. قصة قصيرة




هي فتاة من أُسرة متوسطة .. وتعليمها متوسطا ايضاً . . جميلة .. حالمة .. تعيش بعالم من  الحب والخيال . ولم تكن أحلامها مستحيلة فكل ما كانت تريد ..الزواج عن حب  والأستقرار.. وان يكون لها  اسرة صغيرة  مع زوج عطوف حنون .. وبيت ارضيته حب   وسقفه أمان.
إلا انها تجاوزت الخامسة والعشرين .. تعمل وسعيدة بعملها ..  وكانت ترفض كل من يتقدم للزواج منها .. فهي تتمنى ان تتزوج عن حب وقناعة بالشخص اللذي تريد الأرتباط به بقية حياتها .. وتختاره بنفسها ،  ولكن هيهات .. فليس كل ما يريد المرء  يدركه .. ولم تعطها الحياة ما ارادت .
وبدأت رحلة التنازلات .. بسبب ضغوط الأهل والمجتمع .. وانه يجب ان تقبل بأي من المتقدمين لطلب يدها .لأنها تكبر وفرصها تقل .
قررت بأنه لا بأس برجل ترتاح له ..  ناجحا طبعا .. وعلى خلق طيب .. ومميز .. فهي لا تقبل بأقل من التميز .. وكان لها ما ارادت هذه المرة رجلاً ناجحا .. من اسرة طيبة .. ووضع مالي جيد.
التقت به ففتحت ذراعيها وقلبها للحياة التي ظنت بأنها تبتسم لها .. وأن السعادة تنتظرها معه ،
وقبلت ان تشارك هذا القادم حياته .. فهكذا جرت الأمور بعائلتها .. زواجها وزواج اخواتها
كان على الطريقة التقليدية .. ما ميزها عنهن هو انه تحدث اليها عن طريق صديقة بعد أن رآها ذات مرة بعملها .. وشرح لها ظروفه قبل ان يتقدم  لطلب يدها ..  أي ان زواجها كان عن موافقة مبدئية منها ..
هو حلو اللسان .. وله حضور محبب .. وعدها بالسعادة .. والسفر .. وحياة مرفهة .. وبأنه لا يريد زوجة تقليدية فهو يصف نفسه بالمتمدن .. وأن الزوجة عنده ليست للمطبخ ..  فستجد من يخدمها .. امضت فترة خطوبة مليئة بالكلام والوعود .. فترة خطوبة سعيدة ومرهقة بنفس الوقت .. فلم يكن يتركها يوما واحدا لترتاح او لتقوم بأمورها الأخرى .. فقد كان بأجازة..   كان يترك بيتها بوقت متأخر من الليل .. ويأتي صباحا باكرا .. تمنت ان تطلب منه اجازة يوما واحدا .. ولكنها طالما جاملت الأخرين على حساب نفسها وراحتها.
لوازم الزفاف جاهزة  .. وتم  زواجهما  وسافرت معه الى البلد الذي يعمل فيه .. وصلت الى بيتها الجديد بالنصف الثاني من الكرة الأرضية .. وقلبها يقفز   وروحها ترقص وخطواتها تسابقها فهي تريد ان تدخل بيت الأحلام .. القفص الذهبي كما يقولون .. وتحلم فيه بأسرتها الصغيرة والسعيدة .
  و صدمها ما رأت ، كان بيتا باردا  موحشاً بلا حياة .. الوانه  باهتة  تقبض النفس .. من شدة تعبها نامت تلك الليلة دون حراك مع انها لم تكن مرتاحة لما رأت ..
 فتحت عينيها في الصباح وبدأت حملة التنظيف وتغيير الديكورات .. لتضع بصمتها في بيتها
وحين عاد زوجها  .. ورأي البيت بحلته الجديدة .. اسعده كثيرا ما رأى .. واخذ يقبل يديها .. ويشكرها ..  يسملوا ايديكِ .. ليه غلبتِ حالك .. وما الى ذلك من كلام المجاملات .. ووعدها بأنه سيغير الأثاث قريبا على ذوقها .. ولكنه ينتظر حتى ينتقل لـ بيت جديد .. ثم يكون البيت و الأثاث جديدان
مرت الشهور والسنين والوضع على ما هو عليه .. وعود ..ووعووود .. لم يغير البيت ولا الأثاث .. وكأنه استكثر عليها ما هي فيه ..  او لأنها لم تتذمر يوما من هذا الأمر ، فما تريده هو الراحة والهدوء النفسي .. وأقصى احلامها هوالأمان
ايامها رتيبة فهي  مجرد ربة بيت .. تنظف وتطبخ وتعتني بزوجها واولادها  .. فهو لم يسمح لها بالعمل  في بلاد العم سام .
عاشت وحيدة بدون اهلها وصديقاتها .. ليس لها الا هو ببلد غريب .. وشوقها لأرض الوطن والأهل يحرق قلبها .. لم تحقق ما كان بمخيلتها من السعادة والدفء  .. حاولت جهدها لأضفاء اجواء من الرومانسية على حياتها ولكن بدون جدوى .. فقد كانت متزوجة من رجل لا يعجبه العجب .. ولا يشكر لها شيئا إلا بوقته ، وما ندر .. ثم ينسى ولا يذكر سوى الخطأ او التقصير إن حدث.. رجل لا مكان للنسيان او الخطأ عنده ..   يريدها آلة تنفذ المطلوب بدون اي اخطاء او ابطاء.
وكل ما سبق يهون لو لم يكن  سليط اللسان .. كثير التذمر .. يتأفف دائما .. ويشكو من انها ليست الزوجة التي  ظنها انها هي .. حاولت جاهدة ان تسعده .  ولكنه لا يكف عن التذمر .. وبأن أدائها كزوجه  لا يساوي شيئا عنده .. وامام الناس .. يشكر ذوقها .. وحسن اخلاقها .. وطيب طعامها … ويطيل الحديث عن  السعادة  التي يعيشانها .
كانت لحظات السلام عندها  في حضور الأصدقاء .. وهي ايضا محبوبة عندهم .. يمدحون طيب طعامها وحسن استقبالها ويهنئونة عليها 
افتقدت الأمان .. فحياتها على كف عفريت كما يقولون .. فهو دائم التهديد بالطلاق .. وحرمانها من كل شئ .. حتى الأولاد كان يستخدمهم ويهددها بهم كلما حصل بينهما جدال .. او خلاف.. او طالبت بشئ من حقوقها .. ويمعن بأذلالها  بأنه لن يطلقها .. لو عرف احد بخصوصياتهم فسيتركها معلقة .. لا زوجة ولا مطلقة .. حتى لو سكنت المحاكم .. فلن تنال منه حريتها
ربما كانت مسالمة او ان الحياة كسرتها وسحقت كبريائها .. ولن تذهب لمحاكم  لتنال حريتها ..  يعلم هذا  وهو سبب تهديده  الدائم  بأن لا حقوق لها عنده ..  وبأنه سيجعلها تندم لو تركت البيت .. ووو .. الكثير من التهديدات
ولم تعد قادرة على اتخاذ أي قرار يخصها او يخص بيتها او اولادها
واكثر ما يضايقها هو لسانه السليط .. اللذي لم يكن يوماً مسلطا  إلا عليها ..  ولو  بالمزاح .. كان يجلدها بلسانه .. ويؤلم قلبها .. و يؤذي مشاعرها ..  ويسحق كبريائها 
يا الله .. ما ابشعها من حياة
لطالما تَسَائَلَتْ وحدثت نفسها ..  مرة واحدة هي التي نعيشها 
 فلماذا اخسر فرصتي بحياة كريمة ؟
متى سأتخذ موقفاً  وأثأر لكرامتي ؟
هل يعقل ان استسلم ؟..
هل يمكن ان يحرمني من اولادي ومن حقي بالحياة؟ ..
هل يستطيع حقاً ان يسلبني سنين حياتي القادمة كما سلبني اجمل سنين حياتي من قبل؟
ما العمل؟
ومضت السنين وهي تتسائل .. ولم تحرك ساكناً .. وهو يعرف بأنها ضعيفة ولن تقوم بأي خطوة  للمطالبة بحقوقها كأنسانة بالمعاملة  بالمعروف او التسريح بإحسان 

 رضيت بلحظات الهدوء القليلة بحياتهم .. ومعاملتها الطيبة امام الناس .
حتى جاء اليوم الذي كفّ عن ملاطفتها ومجاملتها حتى امام الناس  .. و اصبح يتعمد احراجها وجرح مشاعرها بحضور كل ضيف يدخل بيتهم .. وامام كل الأصدقاء والأقرباء بأي مكان .. لم يكن مسموحاً لها بأي حديث مع اي من المعارف والأقارب .. ولو ضحكت .. ياويلها .. يدعي بتلك اللحظة بأنه تحدث اليها ولم تسمعه .. او انه نظر اليها لتناوله شيئا معيناً ولم تنتبه له .. وانه وانه وانه …
كل هذا لأنه رآها مبتسمة  او منسجمة   وتتجاذب اطراف الحديث مع اي من المجموعة التي هم معها  وخاصة مع اهلها بالأجازات.
ويكيل لها الأهانات امام الجميع .. فلم يعد يهتم برأي الأخرين  .. وكفّ عن تمثيل دور الأنسان المتحضر .
ومع كل هذا يحملها لاحقاً  مسؤولية عصبيته أمام الناس .. وأنها تعمدت ان تثير أعصابه ليروا  ليكون تصرفه غير لائق  .
وبدأت تحدث نفسها 
 انا تائهة .. محطمة .. لقد افقدني الثقة بنفسي .. هل انا فعلا لا شئ؟
هل استحق هذه المعاملة بسبب ما انا عليه .. وما اللذي أنا عليه فعلاً ؟
 الا استحق الأحترام والتقدير؟
هل كل ما استطيع عمله هوالقيام بأعمال المنزل وتربية الأبناء ؟
حتى هذا يكترث له .. لماذا؟
ما اللذي حصل لي؟
وهل صحيح بأن أي خادمة تقوم بما اقوم به واكثر ؟
وفشلت حتى كأم؟
من أنا ؟
انا التعيسة البائسة

ونجح بأن يفقدها ثقتها بنفسها  .. حتى انها اقتنعت بأن هذا ما تستحقه .. واعطته المبرر لأهانتها .. لأنها فعلا مقصرة   .. وعلى الرغم من انها وافقت بأن هذا ما تستحقه من معاملة
 إلا أنها لم تعد قادرة على الأحتمال اكثر ..
وذات يوم ذهبا بنزهة ككل الأزواج  اللذين يخرجوا من البيت ليسعدوا ويغيروا اجوائهم ..   وطوال الطريق كان يجلدها بلسانه .. حتى نظراته كانت مسلطة عليها كالنار .. يتهمها بما منه ما هو صحيح و ما هو محض افتراء .. حتى بجلستها وحركاتها و ينتقد كل ما فيها .. ويهين انوثتها
ثم قال بأنه لا يراها إمرأة .. وبأنها ليست الجميلة التي تظن .. والكل يشهد بأنها جميلة وهي تعرف نفسها بأنها انثى حقيقة ولكنه لم يعد يراها كذلك .. واستمر يصرخ بوجهها لأنها لا تبتسم .. فملامحها مجمدة حيادية  .. وهي تعترف بداخلها بأنها كذلك بالفعل .
تحدث نفسها .. نعم لم اعد استطيع التمثيل اكثر .. لقد فارقت وجهي الأبتسامة ..
 إنه محق . 
واخذت  تفكر وتحدث نفسها وتسمعه بآن واحد  وهو يصرخ ويسب ويلعن .. يهدد ويتوعد .. ويزيد عصبية وثورة لأنها لا تجيبه .. 
فقد  استسلمت للصمت ..
ثم لم يعد بأمكانها ان تسمع المزيد 
أحست بشئ يفور برأسها .. يعمي عينيها ويسد أذنيها .. ولم تعد تتحمل أكثر ..
ففتحت باب السيارة وهي مسرعة .. والقت بنفسها الى قارعة الطريق .. لعلّ 
الطريق يكون عليها ارحم منه
القت بنفسها غير آسفةٍ على شئ
إلا اولادها .



ليست هناك تعليقات: