الأربعاء، ٣ تشرين الثاني ٢٠١٠

دفتر اليوميات .. قصة قصيرة



سارت نحو مكتبها الصغير الذي يقع بزاوية الغرفة واستلت من احد ادراجه دفتر غلافه وردي اللون مزين بالأزهار الجميلة.. وله مفتاح مزخرف، فهي كأي فتاة تحب اللون الوردي .. ولكن على مر السنين تحولت الى الألوان القاتمة التي تعبر عنها اكثر.
بدأت بالتصفح والنعاس يتسلل الى جفونها وعيونها تلمع بدمعة تحبسها .. تقلب الصفحات وتنظر الى ما كتبته في السابق من يوميات .. وحتى بعض الصور التي الصقتها وكتبت تحتها ملاحظات .. إنها صور تحكي عن ايام عاشتها .. واحداث اسعدتها ، وتجارب آلمتها

عادت الى الصفحة الأولى واخذت تقرأ بتعمق وروية .. وكيف قررت ان تدون كل ما يمر بها لتعود اليه يوماً ما.

بدأ شريط الذكريات يمر من امامها بالكثير من الأحداث ، فأغمضت عينيها واخذت نفساً عميقاً لتعود الى سطورها ، وتشاهد شريط حياتها بتروي من جديد .
استمرت بالقراءة حتى غلبها النوم ، ولم يوقظها إلا صوت خطوات تتجه نحو باب غرفتها .. فأسرعت الى سريرها وأخفت دفترها تحت الغطاء وهي تنظر نحو الباب.

دخلت امها الى غرفتها لتطمئن عليها ، وطلبت منها ان تنام فقد تأخر الوقت، وعليها ان تستيقظ باكراً لتذهب الى عملها، وتمنت لها ليلة سعيدة ثم غادرت الغرفة .. بعد خروج والدتها بدأت تقرأ بعض يومياتها بدون تركيز

اليوم 24 مايو .. استيقظ والدي سعيداً .. يحكي لنا مناماً رآه ، وقال لقد ناولني الرئيس قطعة خضراء من العلم الفلسطيني وكانت جميلة لامعة وناعمة.. امكم ستلد اليوم وستكون فتاة جميلة وقدومها خير على عائلتنا بأذن الله.

سعدنا بمنام والدي .. ومع اننا كنا نتمنى صبياً ليكون اخاً ثانياً لنا

25 مايو .. امي وضعت اليوم فتاة جميلة جداً .. كانت السعادة تملىء بيتنا الصغير
كلنا يتهافت فوق سرير أمي ليرى الضيفة الجديدة .. ما اجملها!!

اختي الصغيرة وُلدت بأربعة اضراس .. غريبة !! كان شكلها مضحكاً حين تبكي.
تصفحت دفترها .. وقلبت صفحات عدة .. حتى وصلت الى تاريخ متأخر بضعة سنين .. فهي لم تكن تكتب بدفترها بشكل يومي.

وجدت صورة وتحتها تعليق مضحك.. فابتسمت وهي تقرأ

اول قبلة .. بتاريخ 14 تشرين اول وبجانب الملاحظة رسمت قلب يخترقه سهم وعليه أول حرفان اسمها و اسمه.

واسفل الصورة هذا التعليق
قبلة اخترقت عالمي الهادئ وبعثرت جسدي في الفضاء الواسع ولم استطع التقاط انفاسي بعدها.. او جمع اشلائي المبعثرة .

تنهدت بعمق .. وتنازعتها الأفكار والألام .. واطبق صدرها النحيل وكأن جبلاً من الهموم هبط فوقه، وعادت بذاكرتها الى الوراء .. والى مشواريهما معاً على شاطئ البحر وامواجه الرقراقة حيناً والهائجة حيناً آخر .. وتمنت لو تعود بها الأيام لتعيش لحظة حب اخرى .. وتحتضن تلك اللحظة كما لو انها تعرف بأنها لن تتكرر.

ثم تابعت القراءة بعد ان قلبت عدة صفحات لم ترد ان تقرأها
عزيزي افتش عنك داخل جسدي وبين ثيابي
افتش بين يومياتي
افتش عنك في صوت قلبي المتهدج بلحظة شوق
في نبضاتي واوردتي ..
فهل اجدك ثانية؟
في يوم شتاء بارد ذهبت عني ووعدت بالعودة .. وحتى الأن انتظر
مرت سنين ولا زلت بعيداً .. غير عابئ بما يصيبني ببعدك عني
احتضنت دفترها وقبلته ودموعها تنساب على وجنتيها فتحرقهما ، فقد لمست جراحاً قديمة لم تشفى بعد.
وعادت تنظر الى ماضيها بحنين حزين عذب .. وبدون حقد على احد. ايقظتها خيوط الشمس التي تسللت الى غرفتها دون استئذان، ودفترها بين ذراعيها وكأنها تحتضن الماضي بذكرياته المرهقة .. نهضت من سريرها وأعادت دفترها الى مكانه في درج المكتب

أعدت القهوة لها ولوالدتها وجلستا في المطبخ .. اشعلت سيجارة وبدأت تنفث دخانها بالهواء وتحدق في الصور التي تتشكل امامها وتحاول التقاطها فتتكون صور اخرى ، ولم تنتبه او تسمع امها وهي تحادثها فقد كانت كالغائبة عن الوعي .. عاد صوت امها اكثر قوة يسألها عما بها .. فأجابت بملل واضح عادي .. لا جديد ولا اراني اختلف عن اي يوم مضى ثم نهضت وقبلت امها واستأذنتها لتستعد للذهاب الى العمل.

خرجت لتبدأ يوماً مألوف الملامح كالذي تعيشه كل يوم .. بلا هدف او معنى لتعود بعده الى غرفتها تعيش مع وحدتها وذكرياتها وبعض احلام تظن بأنه لا يزال من حقها ان تحلم بها.





ليست هناك تعليقات: