إمرأة ونافذة
جلست على مقعدها بالقرب من المدفأة .. بدأت تراقب النار وهي تلف شالها الصوفي حول كتفيها لتحميهما من البرد .. فقد كان البرد في الخارح قارسا وهي تنظر للحديقة من خلال النافذة وتسمع صوت الريح وكأنها سيمفونية الفتها الطبيعة، و الأشجار تتمايل يسرى ويمنى وكأنها تتراقص في ليلة حب هادئة
احست ببعض السعادة وانفترت شفتاها عن ابتسامة ناعمة لدى مراودتها هذا الشعور، وبدأت تتذكر ايام الشباب وكيف عاشت الحب والسعادة مع زوجها .. نظرت اليه متمددا على كنبته المفضلة، وهو يغط في نوم عميق .
يااه .. كيف كان شابا ممتلئاً حيوية وكيف فعلت به الأيام ما فعلت .. انه رجل عظيم فعلا .. كان وما زال يحاول اسعادها ، ومع تقدم العمر بهما الا ان الحب ما زال يظلل حياتهما
تذكرت الأيام الجميلة
لم تحس يوما في شبابها بالوحدة .. لقد سافرت وزوجها الكثير من البلدان.. مرحوا وسهروا معا ، لقد استمتعا بحياتهما فعلاً.
وفجأة غادرت البسمة شفتيها وحل محلها الحزن واحرورقت عيناها بدموع كانت تحاول ان تمنع نزولها .
وتسائلت ... أين انا الأن من ذلك الزمان؟ نحن الأن عجوزان وحيدان بلا رفيق ولا قريب يسأل عنا.
لو انصفتني الحياة .. اما كنا رزقنا اطفالا !!
لكبروا الأن ولملئوا البيت حركة وضجيجاً وسعادة .. ولما كنا نجلس وحيدين
عادت تراقب النافذة ورذاذ المطر الذي رسم لألئه على الزجاج .. تبتسم للأشجار التي لم تتوقف عن الرقص بعد .. بدأ النعاس يغالبها وهي تقاوم .. فهي لا تريد اطفاء المدفأة ولا تريد ان تنام خشية ان تتوهج النار او يتصاعد منها الدخان .. فزوجها نائم على الكنبة.
آه لو كان لنا اولاد ...... اكنت اخشى ما اخشاه الأن ؟
اما كان هناك من يرعانا وحين نغفو يضع علينا الغطاء ويحنو علينا لقاء ما اعطينا من حب ورعاية و سهر طوال السنين .
كم هي قاسية الحياة.
لا تعطينا ما نُريد .. بل ما تُريد .. تفرض علينا ان نقبل به، ولا نملك الا الإستسلام للمكتوب
افكار... وافكار ألَمَت برأسها فأثقلته، وآلمت قلبها فأبكته
اين هم الأحباب والأصحاب؟
اين الأقارب والجيران ؟
كلٌ انشغل بأمور دنياه .. نسونا ونسوا السنوات التي قضيناها معا .. نسوا الإجتماعات التي كانت تزين حياتنا .
لو كان بالإمكان ان اشتري السعادة .. لدفعت لها بكل ما املك وما استطيع جمعه .. لقاء إبن يحادثني .. يشاركني السهر امام المدفأة ، ونحتسي الشاي معاً.
قاسية هي الحياة وغير منصفة
كم تمنيت ان ارى شروق الشمس داخل بيتي حين يصحو ولدي ويبتسم .. اعانقه ويعانقني .. نتجاذب اطراف الحديث .. انتظر عودته بفارغ الصبر لنجتمع معا حول مائدة الطعام .. واقلق عليه ولا اكف عن الذهاب والإياب بين النافذة والباب إن تأخر عن موعد العودة ، ويطمئن قلبي ويفرح حين يعود لي سالماً .
كم تمنيت هذا .. أن اراه شابا يافعاً يعيش الحب ويتزوج .. ينجب لي الأحفاد يلعبون من حولي .. احل مشاكلهم الصغيرة والبريئة، واروي لهم القصص والحكايا ...
خطفها من احلامها وخيالاتها فجأة صوت قرع الباب .. !!!
هناك من يطرق الباب .. عجباً !!!
ترى من يكون؟.
وبهذه الساعة من الليل، وبمثل هذا الجو!!!
اللهم اجعله خيراً ..
نهضت لتفتح الباب وهي تمني النفس بزائر يخرجها من الملل الذي تعيشه .. فوجدت امامها شاباً .. يسأل .. هل هذا بيت فلان؟
اجابته بصوت ضعيف خذلته الحياة .. لا يا بني انه يسكن بالبيت المجاور لنا .. شكرها وغادر، وعادت لمقعدها وحيدة تراقب زوجها النائم حينا وتراقب المدفأة حينا آخر .. وتتأمل الأشجار من خلف النافذة.
لا يؤنسها سوى صوت الريح وحفيف اوراق الشجر .. انها سيمفونية جميلة الفتها الطبيعة .
اغمضت عينيها وعادت لأحلامها وذكرياتها والبسمة ترتسم على وجهها تارة ، والحزن يكلله تارة اخرى.
ميرفت بربر.
12,12,2004
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق