الخميس، ٤ تشرين الثاني ٢٠١٠

إحتراق ..




إعتادت في كل صباحاتها ألا تستيقظ حواسها إلا مع رائحة قهوتها و عبير الياسمين المنبعث من حديقتها الصغيرة، تتناول فنجان قهوتها بودٍ ظاهر، ترتشفه على مهل، و تطلق سراح عينيها  لتسافر عبر المدى تتأمل ولادة الصباح الذي ينتشر شيئاً فشئ، تطيل الجلوس على برندتها، تشعرها بعذوبة الصباح و نقاءه منظر نافورة الماء الرقراقة وصوت الماء الذي يهدئ اعصابها، و يزرع بقلبها السلام و يعكس نور الشمس.
شردت للحظات و كأنها سافرت الى النصف الأخر من العالم، و زارها خيال الحبيب الذي يأبى القدر ان يجمعها به، فهو دائم السفر؛ تناولت دفترها لتخط ما تشعر به، هذه عادتها التي تلازمها، فهي تهوى كتابة كل ما يدور ببالها و يجول بخيالها، و هوايتها الجديدة هي كتابة الرسائل اليه؛ ترسلها له تارة، و تحتفظ بها في صندوقها الأثير تارة اخرى؛ بدأت تداعب خصلات شعرها بنعومة و قد تجمدت عيناها على الطاولة التي تضم فنجان قهوتها .. منفضة سجائر .. دفتر و قلم، ومجموعة اوراق عليها ملاحظات غير منظمة ضمتها الى الدفتر بانتظار ان تعيد ترتيبها، و لكنها لم تفعل بعد.
تناولت القلم بحب ظاهر و كأنها تحتضنه، و بدأ قلبها يخفق بقوة و كأنها تجلس قبالة حبيبها لا تكتب عنه فحسب، سحبت اليها الدفتر بعد ان قامت بإزاحة فنجان القهوة الى منتصف الطاولة الصغيرة، و تهيأت للكتابة و كأنها تستعد لمقابلة هامة .. فكلما كتبت له شعرت بأنها بحضرته، وقد تهرع احيانا الى مرآتها و تهتم قليلاً بزينتها بمجرد التفكير به،  ثم تعود للكتابة بعد رشة عطر تنعش قلبها، لتزيدها ثقة بنفسها ربما؛ بدأت هذه المرة  بعجالة، و دون ان تكتب له عزيزي كما اعتادت، او إسمه، و كأنها تخشى إن بدأت بالديباجة المعتادة ان تطير من رأسها الفكرة او الكلمات التي تنوي كتابتها،  فانسابت  كلماتهاا على الورق بعجالة.
احترق بعمق في مساءاتك الصيفية و أنا انتظر فجرك الذي يتأخر دائماً عن موعده   ليستيقظ شوقي، و أعانق نور صباحاتي الذي انتظره مع اشراقة ابتسامتك،  فمنذ فتحت لك ابواب  مملكتي، و اطلعتك على محتوياتي خزائني، ثم توجتك ملكاً على قلبي، غيرت من اجلك  التاريخ، و بدأت احسب عمري منذ لحظة التقيت بك؛ و أنت!.. متى ولدت، و كيف تحسب تاريخك؟ .. لا بد و أن لكل امرأة بحياتك قصة و تاريخ تبدأه معها،  تعيد ولادتك من جديد؛ ثم تكتب نهايتها على مقصلة اوراقك لتبدأ حكاية اخرى و تاريخ آخر؛ كم من التواريخ كتبت؟ .. عشت و صدقت حتى لحظة انهائك لوجود تلك الحبيبة عبر سطور تزين بها مجموعة كتاباتك التي تشهد مصرع قبيلة النساء التي بجرة قلمٍ قتلت!..
تشرد بخيالها بعيداً، ثم تستأنف الكتابة إليه، لتشرح له حالها، و تصف له كيف تقضي وقتها بعيداً عنه.
أشعل شموعي كل ليلة لأسهر على نورها، واكتب فصول قصتنا معاً، و لكني لا اعلم من منا سيكتب الفصل الأخير، ما رأيك بأن نختزل المسافة، و نبدأ من الفصل الذي لم نكتبه بعد، لتشهد اقلامنا على قصتنا، نبلورها على الورق ونخلد ذكرياتنا معاً.
اطيل السهر و كأني على موعد دائم معك حتى يتنفس الفجر ليبتسم الصباح، و ينتشر الضياء بحضورك الطاغي في قلبي.
ترى! .. أي نوع من الرجال أنت؟ و أي نوع من النساء يستهويك؟.. من مِن كل النساء اللاتي مررن بحياتك تركت بصمتها؟.. كثيراً ما اسأل نفسي هل انا المرأة التي خلقت لتخلد بقلبك، كما خلقت انت لتخلد بقلبي؛ ستقول لي هذا السؤال تكرر كثيراً على مسامعي!، هل من فراغ ايها العزيز؟… ام من كثرة قصصك التي لا تنتهي؟!.. اتعلم ؟.. لا تغضبني قصص حبك، ولا  كثرة علاقاتك التي مررت بها، فأنت بقلبي تختلف عن ما يكون بقلب المرأة نحو الرجل، قصتي معك مختلفة، فقد اخترتك بعداً آخر لعيناي، مشاعري نحوك تختلف عن السائد و ما يكون بين المحبين، فلست مضطراً للتواجد الدائم بمحيطي، لأنك تسكنني،  و لست مطالباً بشئ، كما اني معك لست مرغمة على شئ،  لا اعرف اسماً محدداً لعلاقتنا، انها بمرتبة ما بين الصداقة والحب، و ما بين الحب و العشق، بل ما اكنه لك اكبر من كل ذلك. 
اشتاقك كما تشتاق الأرض للمطر، احتاجك كما يحتاج النحل للزهر، اهواك كما لم يهوى احد من البشر، مشاعر صادقة بشكل غريب لم اشعر بها من قبل، و مع ذلك لا اتمنى سوى ان تكون موجوداً دائماً، فهذا العالم اجمل لأنه يضمك بين جناحيه.
ما رأيك بأن نكتب معاً عنوان الفصل القادم، لنسجل لحظاتنا معاً كيفما عشناها، و نكمل سرد الحكاية، لنرى هل سنكتب الفصل الأخير، ام سنخط معاً للبداية؟.
اغلقت دفترها، و ضمته، كما لو انها تحتضن حبيبها به، و عادت لفنجان قهوتها، و حالة التأمل الصباحية، و على شفتيها ابتسامة ناعمة تنبئ بأن الحبيب لا يزال حاضراً بقلبها ليداعب صباحها النادي.


ليست هناك تعليقات: