الخميس، ٤ تشرين الثاني ٢٠١٠

سر في حياة رجل


التقته في بيت احد الأصدقاء، وعلى فترات متباعدة تكررت اللقاءات .. فوجدت فيه سحر وجاذبية، وسيم وهادئ .. متزن ورزين .. إن تحدث، فبصوت منخفض، و وتيرته مريحة للمستمع، ابتسامته عذبة مع ان الحزن يغلف عينيه، يعيش خارج المكان الذي يتواجد به؛ فعيناه غالباً ما كانت ترسل نظراتها نحو اعلى القرية، شعرت منذ أول لحظة ان وجوده في تلك الجلسات  رغماً عنه .
 
اجتهدت ان تشركه بالحوارات الدائرة .. لتخرجه من حالة الوحدة التي لمستها فيه بالرغم من وجوده بين مجموعة من اصدقاء الطفولة، و تنهي اي حوار من ناحيتها وهي تنظر إليه بجملة ما رأيك بما سمعت؟ .. هل توافقني الرأي؟  لتضطره الى الحديث، فتخرجه من وحدته، و لتسمعه اكثر فتعرفه اكثر .
 
وبدون تخطيط اصبح لهما بعض الأحاديث الجانبية؛ فهو ايضاً سحره حديثها كما سحرها منذ اللحظة الأولى، و احست بأن هناك علاقة قوية في طريقها الى ان تجمع بينهما، وحين شعر هو بذلك بدأ يتراجع ويخفف من اهتمامه بها ومبادلتها الأحاديث الجانبية.
 
ثم بدأ يتغيب عن تلك اللقاءات التي اصبحت مهمة بالنسبة اليه بعد ان كان مرغماً عليها بسبب الحاح اصدقاءه،  اقلقها غيابه  وبدأت تتسائل والقلق يقتلها، هل انشغل قلبه بأخرى، هو لم يظهر لها اي مشاعر خاصة، ولكنها احست بأهميتها عنده، اشتعلت النار بقلبها فسعت اليه ، واصرت على سؤاله عن ما غيره وجعله يبتعد، ولماذا يعزل نفسه بعيداً عن الناس،  ولماذا اشعرها بكل هذا الإهتمام ثم بدأ بتجاهلها كأنه لم يعرفها من قبل؛ بعد ان اصبح ما بقلبها اكبر من الصداقة وتجاوز عنان السماء .. لم يفلح بالتهرب من اسئلتها ، حين اكدت له انها تحبه وتشعر بحبه لها، ولكن  ثمة ما طرأ، وغير ما بقلبه من ناحيتها.
 
فحدثها بشكل مقتضب عن علاقة سابقه مرت به ، و انه كان مرتبط بأخرى، ولكنها توفيت ولا يستطيع ان ينساها؛ احترمت وفاءه فمثلها  يقدر الوفاء، ولكن الحياة لا تتوقف ويجب ان تستمر بالحب والأمل،  بقسوة متعمدة اخبرها ان هذا الموضوع ليس مفتوحاً للنقاش، وأدار بوجهه عنها مؤكداً لها ان لا امل لهما معاً.
 
بقوله: تركت لي تلك الحبيبة ذكرى ولا استطيع ان اعيش بدونها .. و لأني احبك يجب ان ابتعد،  فقالت له بدهشة واستنكار، اسلوب غريب للإعتراف بالحب، ولكن كيف تعترف الأن انك تحبني وتؤكد بأنك يجب ان تبتعد! .. هلا شرحت لي هذه المعادلة  فعقلي توقف عن التفكير! .
صاح بها بصوت كله ألم .. يجب ان تذهبي الأن، ولكنها صممت ان تعرف السبب، فأجابها: لو تزوجتك فسوف تكرهيني .. لهذا كوني بعيدة، واحتفظي لي بمكان في قلبك الجميل ..  لا يمكنني ان اتخيل كيف تكون الحياة، وكيف سيكون الموت وقلبك يلعنني.
 
تركها وحيدة وهي بحالة ما بين الصدمة والدهشة ولا تصدق ما سمعت، و سار بعيداً عنها بخطى ثقيلة  وكأنه كهل بالثمانين حتى وصل الى المقبرة بأعلى القرية، وقف امام قبر تزينه الأزهار لفترة دون ان ينطق ببنت شفه، ثم اخذ يصرخ بألم .. لماذا؟
لماذا؟
حتى انهكه الصراخ، ثم ارتمى على القبر  يضربه بكلتا يديه وهو غارقٌُ بدموعه.
 
 
 
 
 

ليست هناك تعليقات: