الخميس، ٤ تشرين الثاني ٢٠١٠

بروفة الموت


بعد هبوب العاصفة التي كتبت تفاصيل آخر يوم من ايامها الآمنة، و بلحظات من التوهان والضياع، و بدون إدراك لِما يدور من حولها، وبخطوات متثاقلة بدأت بحزم حقائبها للعودة الى بيت عائلتها؛ تسارعت الأفكار المضغوطة برأسها بدون تركيز؛ تحاول ان تفهم ما الذي يحدث من حولها، كيف وصلت الى ما وصلت إليه؟ و لماذا؟.
اشهر وهي تعيش خارج إطار حياتها، بذلت الكثير من الجهد، و الوقت في محاولة اصلاح حياتها مع زوجها، و فهم ما آلت إليه الأحوال بينهما، فما حدث كان صدمة بالنسبة لها، ولم يكن هناك أي بوادر توحي بأن بينهما مشكلة حقيقية، فهي من النوع الصبور، والمُحِب، و كانت تولي زوجها عناية دائمة، اكتفى بتوجيه ضربة قاصمة لها بجملة واحدة؛ أُريد اولاد، و أنتِ لن تكوني أُماً يوماً، عادت بها الذاكرة الى زواجها الأول الذي دام عشر سنوات، نفس مدة زواجها الحالي، حين انفصلت عن زوجها بسبب انها لم تنجب، ولكن ذاك الرجل كان معذوراً، فهو شاب ولا اولاد له، اما زوجها الأن فما عذره، فلديه اولاد من زواج سابق، و هي لم تخدعه، حين تقدم لخطبتها اخبرته بأنها لم تكُن اماً يوماً، و لن تكون، غادرت بيتها، و الألم يعتصرها، فليس اصعب من ان لا يكون الإنسان مخطئاً، و يعاقب على امر لم يفعله، او لا ذنب له به؛ مضت الأيام حتى تنامى الى سمعها بأنه تقدم للزواج من امرأة اخرى؛ سبق لها الزواج و الإنجاب؛ استفاقت من غيبوبتها، و أدركت بأن حياتها الزوجية انتهت الأن بالفعل، فنزفت روحها، و انتفضت مقررةً أن لا تسمح له بإخراجها من حياته بهذه الطريقة المُهينة، و ستدافع عن حقها بالحياة، اتصلت به لتحديد موعد، و حين قابلته و أكد لها انه قد عقد قرانه على أُخرى، ذكرته بكل محاولاتها للإصلاح، و أنها قدمت لإنجاح حياتهما معاً كل ما باستطاعتها، و سنوات عمرها التي عاشتها معه، و انها صبرت على الكثير ولم تشكو يوماً، و لكنه لم يُعر حديثها أي اهتمام؛ فزاد بجرحها حتى انه لا يعترف او يرى أي شئ جميل قدمته له؛ فقررت ان تكون قوية ولو لمرة واحدة بحياتها،  فأخبرته بأن لها حقوق لديه، و لكنه بكل صلّف و قسوة أكد لها بأنها لن تنال منه شئ؛ كادت ان تنهار و هي تسمعه يتحدث بطريقة استهزائية و باردة، كأنها لم تكن يوماً زوجة له، لم يكن هو الرجل الذي عاشت معه كل تلك السنوات، لقد كانت تجلس مع رجل غريب عنها، نهضت و هي تؤكد له بأنها لن تتنازل عن حقوقها، ولن تقبل بمعاملة بنت الشارع، فليس من المسموح ان يلقي بها خارج حياته بهذه الطريقة المهينة، فهو حين تزوجها كان بموافقتها، و بالترتيب معها و مع أهلها، و الأن يأخذ القرار وحده!.. ثم أنه وقع عقد به بنود تنص على حقوق الزوجة، و هي متمسكة بتلك الحقوق.
بدأت بمتابعة القوانين، لتعرف ما هي حقوقها؛ و اكتشف بأنها تقيم ببلد لا قيمة فيها إلا للرجل، و كل القوانين تخدم الرجل، وليس لها سوى نفقة الثلاث شهور بحالة الطلاق، اما مؤخر الصداق فسيأخذ وقت طويل بالمحاكم إن لم يعطها إياه زوجها عن طيب خاطر؛ أثناء ذلك كان زوجها يعيش فترة خطوبة، عرفت بعد ذلك انها كانت صعبة، فالمرأة الجديدة ظنت أن حاجته للأولاد تعطيها الحق بأن تستغله مادياً، و ترهقه نفسياً، فقد كانت متطلبة فوق العادة، و لها اساليب تجعله يدفع كل ما تشتريه حتى لو لم يكن لها؛ بتقديمها فيزا كارت منتهية الصلاحية مثلاً، فيدفع هو، بطلب منها، و عندما كررت نفس الطريقة بمكان آخر وقدمت نفس الفيزا كارت، وكانت نزقة، و عالية الصوت، و تتحدث بلهجة آمرة؛ بدأت المشاكل بينهما، فهي عصبية المزاج، و لها طباع عكس طباع زوجته  تماماً، فبدأ يقارن ما بينهما؛ فترك تلك المرأة، و بدأ يحاول أن يعيد المياه الى مجاريها مع زوجته مؤكداً لها أنه لن يتخلى عنها ثانية، و أن وجودها بحياته أهم من المزيد الأولاد، و سرد لها ما مر به مع المرأة الأخرى، و أنه عاش كابوس حقيقي، حتى أنه اصبح يتحدث عن تلك الفترة بأنه كان بغير وعيه، و لا يتذكر كيف تصرف بهذا الجنون.
عادت إليه، ربما أرادت ان تصدق كل ما اخبرها به من حب، و أنها زينة النساء، و لن يبدلها بأي امرأة،  و أنه كان يعيش بحالة غيبوبة، افقدته البصيرة، ووو … ثم  بمحاولات الأهل وتأثيرهم عليها، وخاصة والديها الذين لم ترد ان تسبب لهما المزيد من الحزن، فقد كانا بغاية الأسى على ما حل بابنتهما، و الخوف عليها إن تم طلاقها للمرة الثانية، لسبب لا ذنب لها به، ولكنها لم تعد هي هي التي يعرف،  شئ هام جداً و عظيم انكسر بداخلها، بقلبها، و شُرخت روحها، و كل ما كان من شعور الأمان الذي كان لديها انتهى بتلك العاصفة، و فقدت ايمانها به، و بكل كلمات الحب والوعود التي يمطرها إياها، و لكنها عادت إليه لأنها تحبه، و لأنها لا تريد صفة مطلقة مرة اخرى.
دخلت بيتها معه بعد شهور طويلة من الفراق،  كان كالمهجور، بيت مهمل،  وحديقتها مهملة، ارجوحتها ممزقة، سُرقت معظم محتويات بيتها، خزائنها منبوشة، و اشياءها الخاصة مسروقة؛ فـ سرت بجسدها قشعريرة، حين قارنت ما يحدث في حياتها الأن بما سيحدث بعد موتها ببيتها، و اشياءها الخاصة؛ فأطلقت تسمية على كل ما حدث و ما مر بها "بروفة الموت".

  في احدى قصصي استخدمت التعبير الأتي ...
اليوم الذي يسبق العاصفة .. هو آخر اجمل الأيام

و هذه المقولة تنطبق على هذه القصة ايضاً

ميرفت بربر

ليست هناك تعليقات: